الشوق الى الرحيبة
كلنا يحن إلى البلدة والأزقة التي ترعرع فيها، وذكريات الطفولة تحتاج الى سنين ضوئية ومجلدات وأقراص مدمجة وسنين ضوئية ولا ينتهي الحديث عنها
الرُحَيْبَة
في العينِ شوقٌ، ولا أسْلو فأُخْفيهِ .. من بُعْدِها، تَاهَ قلبي في مَنافيهِ
هيَ "الرُحَيْبَةُ"، والأكوابُ مُتْرعَةٌ .. شوقاً منَ الوَجْدِ يُفْنينا ونُفْنيهِ
إلامَ بَلْدَتُنا، تَبْقى تُسامِرُنا .. رغمَ الرحيلِ ورغمَ البُعْدِ والتيهِ
لله درُّكِ، فِردوسٌ يُساكِنُنا .. تسْمو محبَّتُها عن كلّ تَشْبيهِ
كل ّالمَواطنِ تُغْريني، وأَرفُضُها .. إلاكِ لا وطَنٌ، في الكَوْنِ أَنْويهِ
أنّى اتَّجَهْتُ، أَجدْكِ الآن في جِهَتي .. ويَرقُصُ اسْمُكِ في فاهي أُغَنَّيهِ
أَحْبِبْ بِها نُزُلاً، تسمو مَكانتُها .. والجودُ من أهلِها ما ليسَ تُحْصيهِ
والقومُ أكِرمْ بِهِم نافوا بِنخْوَتِهِم .. قَلَّ المثيلُ ، فَقُلْ من لا نُباهيهِ ؟
عَزّوا جُدوداً كما عَزّتْ نُفوسُهُمُ .. نَأَوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ كلّ تَشْويهِ
للهِ درّكمُ، تسْموا مَكارِمُكُمْ .. والجودُ قد أُبْدلَتْ بِكم أساميهِ
يفنى الزمانُ، ولا تفنى مآثِرُهُم .. سلِ الزمانَ بِهِمْ يُنْبيكَ مِن فيهِ
هِمْنا بغُربَتِنا، نرجو رفاهِيةً .. لكنّهُ "مَنْ يدوسُ الجمْرَ يكْويهِ! .
هل لي بِغيْركِ محبوباً، يُشاغِلُني .. عسايَ أسلو الهوى أم سَوفَ يُذْكيهِ ؟
أنتِ هيَ القُبْلةُ الأُولى على فَمِنا .. والصبُّ يشْتاقُها دوماً فَتُعْيِيهِ
في البُعْدِ، نَمْشي في أَزقَّتِها .. ونُشْعِلُ النّورَ أحياناً و نُطْفيهِ
صندوقُ أسْرارِنا مِنْ كِلّ سالِفةٍ .. تطويهِ في صدرها، حيناً، وتُفْشيهِ
سقى الإلهُ زماناً من طُفولَتِنا .. ما كانَ أروعَهُ ، بكِلّ ما فيهِ
فَكَمْ مَضيْنا لعُرْسٍ دونَ دعْوتِنا .. فَيُصْبحُ العُرْسُ ، في أحْلى أَماسيهِ
واليومَ نجْفو زَفافاً رغْمَ دعْوتِنا .. و لَيْسَ في العُرْسِ ، أفراحٌ تُحَلّيهِ ؟
ونَقْطفُ التينَ والأعْنابَ في ظُلَمٍ .. ونَتْركُ الكَرْمَ ، يَشْكو ما يُعَانِيهِ
واليومَ، أَمْسى بِلا تينٍ ولا عِنَبٍ .. فَلَيْتَنا - الآنَ - إِنْ نادى نُلَبّيهِ
وكم كَتَبْنا على حيطانِ حارتِنا .. لِنِعْلِنَ الحُبَّ، أو خِلّاً نُناجيهِ
واليومَ، نمْلكُ حاسوباً نَخطُّ بِهِ .. ما أجملَ الخطَّ والحيطانُ تُبْديهِ
وكم طَرقْنا على الأبْوابَ في خجلٍ .. نُباركَ الجارَ في عيدٍ ، نُهَنّيهِ
واليومَ ، عيدٌ ولا جارٌ نُهَنّئُهُ .. ولَيْس لِلْعيدِ عيدٌ في مَعانيهِ !
وكم كَتبْنا قريضاً مِن صبابَتِنا .. و لِلْحبيبةِ ، تحتَ البابِ نُلْقيهِ
واليومَ، نكْتبُ شِعْراً مِنْ تَوجّعِنا .. كم يُؤْلمُ الشعْرُ غنّى في مآسيهِ ؟
وكم مَشَيْنا على العُكّازِ في عرجٍ .. نُشابهُ الجدّ قاسى في تَهاديهِ
كَمْ نَبْتةٍ طُحِنَتْ، لَفّاً نُدَخّنُها .. نُقَلّدُ الجدَّ ، تُغْرينا مَساويهِ
وَ كَمْ يُلاحِقُنا جَدّي يُوبّخُنا .. ما أجْملَ الجَدَّ لمّا ليسَ نُرضيهِ ! .
نَجْري لِجَدّتِنا مِن سخْطِ والدةٍ .. نرجو الأمانَ ، ولو للذنْبِ نَجْنيهِ
واليومَ، أَوزارُنا ازْدادَتْ بِوَطْئَتِها .. فَمَنْ سيَنْجِدُنا ، حتّى نُناديهِ ؟
وكم قَلَعْنا مِنَ الأسنانِ نَقْذِفُها .. للشمسِ، علَّ بِسِنّ الريمِ تَشْريهِ
واليومَ، أسنانُنا وَلَّتْ أَيائِلُها .. واسْتَبْقَتِ الوهنَ يُضْنينا ونُضْنيهِ
عمْداً، ننامُ مساﺀً عند عمَّتِنا .. نصحو على تخْتِنا ، بالغيظِ نوفيهِ
نبكي، سدىً، لا نريدُ النومَ يَمْنَعُنا .. ليلاً، عنِ اللهوِ في أقصى مراميهِ
واليومَ، ها نحنُ نبكي النومَ يهْجُرُنا .. من كان يَحْسبُنا، يوماً، سَنبْكيهِ ؟
وكم صَنَعْنا خياماً من شراشِفنا .. ونَسْتضيفُ صديقاً كي نُؤاويهِ
والآنَ خيْمةُ مَنْفى ليسَ تَجْمَعُنا .. ولا صديقٌ، يُؤاوينا، ونُؤْويهِ ! .
وكم زهوراً جمَعْناها لِنعْقِدَها .. عِقْداً نُعَلّقُهُ، في النحْرِ نُرْخيهِ
واليومَ ، كلّ زهور العُمْرِ ذابلةٌ .. والعِقْدُ والوردُ فَرّوا من مغانيهِ
رسائلٌ من زميل الفَصْل قد كُتبتْ .. يجثو بجانِبِنا، يمحو ونُمْليهِ
تِلْكَ الرسائلُ ما زالتْ مُخَبّأةً .. ولا زميلٌ يُساقينا، ونَسْقيهِ
كم جاهدتْ جَدّتي بالقسْرِ تُطْعِمُنا .. وكيف نُقْنِعُها، أَنْ ليسَ نَبْغيهِ ؟
والآنَ نحن نعافُ الأَكْلَ في سَغَبٍ .. لو جَدَّتي اليومَ تَدْري ما نُلاقيهِ ؟
نَمُدُّ أَلْسِنَةً ، للْغَيْرِ نُقْنِعُهُ .. أَنّا صِيَام ،ٌ و نَخْشى من تَماديهِ
لا فَرْقَ في رَمضانَ الآن أو رجبٍ .. فالصومُ لازَمَنا، والقُوتُ نُقْصيهِ
وكَمْ هَرَعْنا إلى التَلْفازِ نَسْبِقُهُ .. نُشاهِدُ "الفِيلْمَ" في بِشْرٍ وفي تيهِ
واليومَ ، لا مُتْعَةُ التلْفازِ تَجْذِبُنا .. كَأَنّنا - أَمْسُ - ما كُنّا نُحاكيهِ ؟
نَبْني من الرمْلِ قصراً مِن تَخيُّلِنا .. إذا كَبُرْنا ، شَبيهاً سوفَ نَبْنِيهِ
فَهَبَّتِ الريحُ ، لا تَلْوي على أحدٍ .. وضاعَ قصري، وضاعَ العُمْرُ أُشْقيهِ !!
وكَمْ أَتَيْنا بِيومِ العيدِ مَقْبَرةً .. قَهْرَ الحياةِ إِلى الأَمْواتِ نَشْكيهِ
فلا الحياةُ ولا الأمْواتُ تَسْمَعُنا .. والعُمْرُ رَثَّ ونبقى - بعدُ – نُبْلِيهِ
تحلوا الحكاياتُ ليلاً حول جدَّتِنا .. عن نَبأِ الذئْبِ والأَغْنامِ تَرْويهِ
واليومَ، كلّ ذئابِ الكونِ تَنْهَشُنا .. أَلَيسَ في الأرضِ إِنْسانٌ نُؤاخيهِ ؟ ؟
تبدو النجومُ كأشْكالٍ نُصَمّمُها .. وَنَقْتني البدرَ يُشْجينا وَنُشْجيهِ
واليومَ ، كلُّ سماﺀِ الكونِ حالكة ٌ .. النّجْمُ ولّى، ولا بدرٌ نُمَسّيهِ
هَرِمْت ،ُ لكنَّ مِنْ أَمْسي أَتَيْتُ أنا .. والطفلُ ما زالَ في صدري أُناغيهِ
وخافقي ، مُتْعةُ الذكرى تُشَوّقُهُ .. أَليْسَ مِن بُرهةٍ - يوماً - تزوريهِ ؟
قد ضاقَ ذرعاً من الأشجانِ تصْحَبُهُ .. من ذا يَرِقُّ لهُ، من ذاكَ يُنْجيهِ ؟
ذاكَ الزقاقُ الذي عانى بِشَقْوَتِنا .. لا بُدَّ يومَاً - ولَو حَبْواً - سآتيهِ !!
و بعْدَ موتي أعيدوني لِتُرْبَتِها .. أُعانقُ التُرْبَ تَحناناً وَ أرويهِ
د. مُعمّر عمر الخطيب
تعليقات